في محاولة للتحايل على النفس وإجبارها على إنجاز العمل المتراكم, تأتي الموسيقى على قمة المحفزات.. أشعر وكأنني شخصين أحدهما “قناوي” في فيلم “باب الحديد” والشخص الآخر هو من يحاول إقناع قناوي بإنجاز العمل المطلوب على طريقة “هنجوزك هنومة يا قناوي”.. كان اختيار فيروز لتشدو في الخلفية هو الحافز المهم كي أتمكن من السيطرة على الجانب المجنون بداخلي والالتزام بالعمل..
ولأن علاقتي بـ”قناوي” القاطن بداخل عقلي سامة إلى أبعد الحدود, تمكن من التلاعب بي محاولا الإفلات والتخلص من العمل فبدأ يوسوس لي بخصوص كلمات أغنية فيروز “أهواك بلا أمل” وحين يتعلق الأمر بالعلاقات السامة لا يمكنني المقاومة وبدأت الانتباه للكلمات الجميلة التي ترسخ لعشق العلاقات السامة.. فالكاتب والمطربة يقولان لنا ان تلك العلاقة التي لا أمل منها يمكنها أن تكون سببا لسعادة صاحبتها التي يلتهب قلبها بغرام الحبيب وحين يقرر أن يجعل قلبها قريبا منه توافق هي وحين يبعدها عنه تشعر بالاغتراب. الكلمات تقول نصا “أهواك ولي قلب بغرامك يلتهب.. تدنيه فيقترب, تقصيه فيغترب”.
على خلفية العلاقات السامة بدأت الخلافات حول ما يطلبه الشرع من النساء ومن الرجال في الزواج ومدى حرية النساء في القيام بالمهام المنزلية وإرضاع الأطفال رضاعة طبيعية.. وهنا يتضح بقوة كيف أن العلاقات السامة انتشرت لدرجة جعلت أغلب الأطراف تتناسى إنسانيتها وتتعامل بمنطق الاستعداد للحرب سواء كانت حرب باردة داخل نفس المنزل أو حرب حقيقية في ساحات المحاكم والتجمعات الأسرية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
في الحقيقة حين يقرر البشر التعايش والتفاهم تكون النتيجة هي نسيان المكانة الاجتماعية والمستوى التعليمي وكل الاختلافات وبذل جهد من الجانبين لإنجاح العلاقة. طرفان يبذل كل منهما كل ما يستطيع من أجل الحياة المشتركة ومن أجل الآخر. حين تختل تلك المعادلة تبدأ المشكلات ويبدأ الجدال حول من عليه الإنفاق ومن عليه التنظيف ومن عليه اصطحاب الأطفال من المدارس.. الخ.
حين يتعمد الرجال والشيوخ والكهنة تكرار رفع راية الشرع والدين وكأنها سلاح ضد النساء يتيح للرجال التحكم فيهن, فمن المنطقي أن ترد مجموعات من النساء باختيارات من الشرع والدين يمكنهن استخدامها كسلاح ضد تلك السيطرة.. وهنا علينا إعادة العلاقات الإنسانية للخانة الأصلية التي انطلقت منها وهي كونها “علاقات” إنسانية” أي أنها تشمل أكثر من طرف وتعبر عن مدى إنسانية أطرافها..
من غير الإنساني ولا المنطقي أن يكون هناك طرفا في علاقة صحية يحاول استعباد الآخر أو التعامل معه باعتباره ملكية شخصية بموجب عقد الزواج. ومن غير المنطقي أيضا حين تتعالى الأصوات رافضة لهذا التصور الخرافي للزواج ننصرف لمناقشة مدى منطقية الجدليات الرافضة بدلا من مناقشة المشكلة الأساسية وهي الخلل في تصور العلاقات وسيادة العلاقات السامة حتى إذا أخذت شكل زواج رسمي..
من يرغب حقيقة في الوصول إلى بعض السلام الاجتماعي فعليه العودة إلى أصل المشكلة: التصور الثقافي الاجتماعي للزواج أصبح إشكالية كبيرة وغير مناسب للواقع الإنساني الحالي.. وتوزيع الأدوار الحياتية بين النساء والرجال به خلل غير قابل للتعايش معه في العالم الحالي بظروفه الاقتصادية والاجتماعية والعملية..
الدنيا ستكون أفضل حين نناقش في طريقة عملية ومنطقية ومنصفة لحل تلك المعضلة وكيف يمكن للأفراد اختيار شركاء وشريكات حياتهم بعقلانية ومنطقية.. وكيف يمكن الترتيب لأي انفصال محتمل بتحضر وإنسانية حين تصبح الحياة المشتركة غير مقبولة للطرفين ولا تحقق لهم السعادة التي يطلبونها..
الأهم هو أن المناقشة حتما لا يمكن أن تسعى إلى تحقيق انتصارات جديدة للطرف الأقوى تاريخيا واجتماعيا وثقافيا في معادلة الزواج والعلاقات الشخصية.. لأن الحقيقة هي أن التفضيل التاريخي للرجال على النساء هو أصل الخلل وبالتالي لن يكون هو الحل ولا جزءا منه.
Average Rating