رواية لن تنتهي (1): قبل الحكاية

تمر السنوات تكسر الكثير من التفاصيل في طريقها وتعيد تشكيلنا مرة أخرى ببطء وأحيانا بقسوة. ورغم كل شيء تبقى بعض الذكريات لا تتغير دليلا على ما حفرته الأيام بداخلنا..

الصديقات الأربعة اللاتي جمعتهن السنوات ثم نثرهن القدر كل في مكان, بدأن طريقهن زهرات مقبلات على الحياة يملؤهن الحماس والحب. يدفعهن الفضول إلى تجربة تلو الأخرى. سعاد وسميرة جارتان نمت صداقتهما منذ عرفن الحياة لعبن سويا وذهبن لنفس المدرسة الابتدائية والإعدادية. 

التقت بهن سحر في المرحلة الإعدادية ولم يكن اللقاء الأول جيدا أبدا, فتاة رشيقة القوام غاية في الجمال تختال أمام الجميع. لا تتكلم مع أحد إلا إذا كان هناك سبب أو مبرر واضح للحديث. تعرف جميع المدرسات والمدرسين فأبيها كان ناظر نفس المدرسة لسنوات طويلة. لها حلم وحيد في الحياة هو أن تترك أثرا ما يبقى طويلا بعد الرحيل . 

شعرن بتعاليها عليهن, بدت وكأنها تحتقر الجميع لأنها لا تتحدث مع أحد. 

ذات يوم بدأت الدردشة المعتادة خلال الفسحة وتبادل النكات بين سعاد وسميرة, فضحكتا كثيرا حتى وصل صوتيهما إلى مديرة المدرسة. غضبت وخرجت لتعنيفهن فالفتيات المحترمات لا يجب أن تعلو أصواتهن, يتحدثن همسا ويبتسمن دون صوت. كانت سحر تمر بجوارهن وفجأة تدخلت وعارضت ما تقوله مديرة المدرسة.. فالأدب والأخلاق لا علاقة له بالضحك والفكاهة, ولا يمكن تحديد نوع من الضحك للنساء وآخر للرجال. اشتد الجدل مع “أبلة الناظرة” كما أطلقن عليها, وانتهى الأمر باستدعاء ولي أمر للطالبات الثلاثة. 

كانت الخبرة الأصعب في حياة سميرة, فأبيها كان من أنصار رأي مديرة المدرسة ولو عرف بأنها ضحكت بصوت عال سيضربها على أقل تقدير وقد يصل الأمر إلى حرمانها من التعليم وتزويجها في أول فرصة. بكت كثيرا فور قرار مديرة المدرسة, تعجبت سحر لبكائها وحين علمت بالمأزق قررت حل المشكلة مستعينة بنفوذ أبيها الذي كان رئيسا لمديرتها منذ بضعة سنوات.  فانتهت المشكلة بثلاثة صديقات تبدأ أسماؤهن بحرف السين ويجمعهن رأي مشترك عن حتمية رفض التعامل معهن كبشر من الدرجة الثانية لكونهن نساء. فقررن تسمية أنفسهن “عصابة الثلاثة”.. 

 

لحقت بهن وفاء بعد عام حين انتقلت من العاصمة إلى ريف الدلتا حيث توفي أبيها وقررت أمها العودة إلى بلدتها لتكون بين عائلتها. بدأ الصراع مع تحكمات رجال العائلة الذين لم يفعلوا شيا معها ومع أسرتها الصغيرة سوى التحكمات بخصوص متى تخرج البنات ومتى يرجعن إلى المنزل وكيف يتكلمن وكيف يلبسن وكل تلك الشكليات التافهة. لكن لم يهتم أحدهم بالسؤال عن أحوالها هي وأمها من الناحية المادية. لم يسأل أحدهم ما إذا كن قد تناولن طعامهن اليوم أم لا, ولم يهتم أحدهم بمستواها الدراسي ولا بميولها العلمية ولا بخطتها لمستقبلها. 

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *