روح تمزقها الوحوش

أن تكتب يعني أن تُخرج بعضا من روحك لتعرضه على الملأ.. تشارك بعضا منك مع كل العابرين والمارين في الحياة, وأنا تملأ روحي الوحوش فلا أرغب في الحديث عن سواها. وحوش خرجت من قصص الأطفال لتحارب بعضها البعض تحاول شق جسدي لتخرج للحياة على جثتي.. حسنا سأخرجها وحشا تلو الآخر ولن أعيد مأساة تعامة التي شطرها أبناؤها نصفين في سبيل تحويل الصمت والسكون إلى حركة يملؤها الصراع والحياة..
أحد الوحوش بداخلي كان لا يفعل شيئا سوى الأمنيات الشريرة يبدع في ابتكارها وأحيانا تتحقق وحدها دونما أي تدخل منه وكأن له جيشا يتحرك في أوقات بعينها لينفذ تعليمات بعينها دون أن يراه أحد وبلا أي سبب واضح..
يبدو هذا الوحش مهيبا شكله يثير الفزع والرعب.. يسمع عنه الجميع في حكايات الجدات كما سمعنا عن العجوز الصغيرة وعن “سليلسة وخنيفسة” والأميرة الجميلة صاحبة الشعر الذهبي والأميرات صاحبات الشعر الفاحم والشاطر حسن والغول.. كان الوحش بطل الكثير من الحكايات.. ولكنه يظهر فجأة ثم يختفي فجأة لا أحد يمكنه معرفة نسق ظهوره واختفائه.. ولا أحد يعرف أي من أمنياته الشريرة سيتحقق وأيها لن يتحقق ولا متى يمكن تحول تلك الأمنيات إلى واقع.. لعل أخطر ما في الأمر أنه لغز غامض.. يثور ويغضب ثم يهدأ فيتحول إلى كائن منزلي أليف يجري خلف كرة صغيرة ليعيدها إلى اليد التي رمت بها أو يلعب بكرة من الخيط ويتفنن في تعقيدها وتمزيق خيوطها…
تقول الأساطير القديمة أنه كان وحشا مع الوحوش لكنه في جوهره ليس وحشا على الإطلاق, كان بداخله حيوان أليف. حين يغضب يفقد عقله تماما ولا يفعل سوى التدمير, كعادة الوحوش.. وحين تهدأ ثورة غضبه يختفي الوحش ويخرج الحيوان الأليف إلى النور..
ذات يوم تحرك الوحش واندفع يجول في الشوارع يكنس ما يقابله ويبتلع كل ما يعترض طريقه.. وفجأة يتحول بين لحظة وأخرى كان يداعب الأطفال والمجاذيب ويحتضنهم ليلاً ليحكي لهم حواديت ما قبل النوم وكأنه يرتاح من جهد التدمير ويعيد شحن طاقته ليستكمل مسيرة التكسير والحرق مرة أخرى.
اجتمع التجار في مقرهم السري بعيدا عن أعين الوحش وقرروا حماية مملكتهم مترامية الأطراف من بطشه, أرسلوا له الكثير والكثير من الأطفال لينشغل بهم عن التدمير والبحث عنهم لقتلهم. لكنه فرغ سريعا من الأطفال الذين ناموا بفعل أغانيه السحرية.
تشاوروا فيما بينهم عما يمكن القيام به لقتل الوحش.. اقترح كبيرهم تفجيره, لكنه تراجع بعد نصيحة مفادها أن قتل الوحش يعني ضياع المملكة كلها فهو من يقوم بحرث الأرض في بعض نوبات حماسته وفي نوبات غيرها يحصد المحاصيل ويعيد تشغيل آلات المصانع كما أنه بالتهام الطعام والفواكه يمنح الأسواق فرصة ذهبية للازدهار.. وبعد نوبات جنونه التدميرية تعمل شركاتهم لتعيد إعمار ما تلف فتتضخم أرصدتهم في بنوك العالم.
قرروا استخدام الحيلة.. وتشتيت الوحش في عدد لا نهائي من المعارك التافهة التي تنتهي به إلى إحراق نفسه بنفسه, حتى يشارف على الموت فيندفعون نحوه لإنقاذه لتدور العجلة نفسها من جديد.

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *