لم يكن خالد أبو النجا يبحث مع داوود عبد السيد عن أصحاب القدرات غير العادية بقدر ما كانا يحاولان سويا اكتشاف كيف تمكن هؤلاء البشر العاديون جدا حين تجمعوا على الفن والحياة من خلق حالة غير عادية.. وتغيير مسار الأشياء وقواعد الفيزياء والمنطق..
بإيقاع رتيب يأخذ داوود بيد المشاهد للتعرف على الشخصيات العادية في فيلمه وبطله الذي اقترح فكرة لبحث علمي وجدتها “جهة ما” في غاية الأهمية فقررت تمويلها.. هي نفسها الجهة التي تسبب تدخلها في وقف القدرات غير العادية لأبطال الفيلم العاديون.. خلال الرتابة المقصودة في الجزء الأول من الفيلم يلقي داوود بإشاراته المتعددة التي يبني عليها استنتاجاته وأحلامه لاحقا..
ففي حوار خالد أبو النجا الذي يرغب في إنهاء بحثه وتغيير موضوع البحث كلية.. يأتي الرد موحيا للغاية وواضحا فلن يمكن تغيير موضوع البحث ولكن يمكن تغيير طريقته فالجهة التي تمول البحث متحمسة للغاية لنتائجه وتنتظرها ولديها القدرة على تحريك كل مؤسسات الدولة من الشرطة للمساجد للمحليات وحتى المدارس للبحث عن “الحالات” المطلوبة للدراسة..
هي واحدة من الإشارات الأولى التي حاولت تفسير كيف تقرر “جهة” مجهولة موضوعات البحث وأهمية تلك القدرات غير العادية بالنسبة لهم.. فالهدف ليس بحث القدرات غير العادية ولكن السيطرة عليها واستخدامها..وفي رحلته للبحث عن الحياة يندمج “يحي” الباحث مع مجموعة من البشر العاديين ليكتشف بينهم قدرات غير عادية ظهرت أولا لدى الطفلة فريدة التى تتمتع بملكة الاستبصار وتحريك الأشياء عن بعد وقراءة الأفكار..
هي نفسها الطفلة التي تملأ الأجواء بهجة ببراءتها وضحكتها.. ليكتشف يحي لاحقا أن الطفلة ربما ورثت قدراتها من الأم.. ومع الأحداث يحتار يحي فتبدأ الشكوك في أنه من كان يمتلك قدرات غير عادية دون أن يدري فلم يعد قادرا على الجزم هل هو الذي كان يحرك الأشياء أم الطفلة أم الأم؟؟؟
في رحلة بحثه تعجب من كيفية عثوره على “حياة” كلما قرر لقائها.. كانت هي مقتنعة بأنها تستدعيه.. بينما هو اقتنع لاحقا أنه يعثر عليها كلما أراد حتى حين تنتقب لتخفي نفسها عن الأنظار.. كانت حياة تهرب من السلطة.. فيما كانت تطاردها بعدما علمت بقدرات طفلتها غير العادية.. وبعدها قررت أن الهرب أصعب من السجن فتوجهت نحو السلطة.. الضابط المسئول عن مطاردتها كان أول من تحمس لفكرة البحث وأقنع رؤسائه بتمويله سعيا للحصول على المزيد من المعلومات باستخدام هؤلاء البشر ذوي القدرات غير العادية هؤلاء المثقفين المهتمين بقراءة الأشياء والأحداث وتحليلها.. ليتمكن في النهاية من إحكام سيطرته على مقاليد الأمور.
أحبت السلطة “حياة” وتزوجتها في البداية بحثا عن السيطرة على قدرات طفلتها.. لكن الحرائق التي تكرر اشتعالها في منزل الضابط.. والتي توقفت عن الاشتعال حين ابتعد جعلته يقرر الانفصال عن حياة وترك ابنتها التي فقدت خلال التعاون معهم أو استغلالهم لها قدراتها غير العادية.. وخلال الفترة نفسها فقدت السلطة/ الضابط قدرته على السيطرة.. فالمثقف الذي تزوج بالسلطة فقد طفلته وقدرته على الاستبصار والتوقع.. وحين قرر الانفصال عن السلطة أشعل الحرائق ليبتعد فعادت إليه قدراته من جديد..
لا يزال لدى داوود عبد السيد أملا في المثقفين بعيدا عن السلطة فمع الطلاق بدأت قدرات فريدة وحياة تعود إليهما.. وعادت الحياة الطبيعية بسعادتها وبساطتها ومشكلاتها العادية للمجموعة التي عاشت حياة مشتركة وشبه منعزلة في “اللوكاندة” ومع تلك الحياة اكتشف يحي نفسه قدراته غير العادية وتقبلها بينهم… وليس كباحث تستغله “جهات” ما للوصول إلى بشر يمكنهم تغيير مجريات الأمور.
وكأن داوود يحكي في فيلمه قصة الثورة التي صنعها بشر عاديون وبتحليل ودعم من المثقفين سيطروا على اتجاهات الأحداث لفترة وجيزة كما سيطرت فريدة لثوان معدودوة على الأدوات التي كان يحركها لاعب السيرك في الهواء فتحكمت فيها وبدأت تتعالى ضحكاتها وسعادتها فاكتشف الجميع أنها من غيرت قوانين الطبيعة.. وبعد تلك الثواني انقلبت الدنيا وتوترت حياة فريدة وحياة ويحي وكل من كانوا حولهم.. علمت السلطة بالأمر فبدأت الشرطة في البحث عن حياة وطفلتها لتتمكن من استغلالها لإحكام السيطرة .. وانطلق المتشددون لرجم لاعبي السيرك بالحجارة..
لم تتمكن السلطة من القضاء على قدرات “حياة” و”فريدة” غير العادية.. والتي اكتسبها “يحي” منهما, لكنها تمكنت من استعادة السيطرة.. فيما تمكن المثقفون من الابتعاد للاستمرار في حياتهم والعودة لممارسة قدراتهم غير العادية.. هي رسالة للحفاظ على تلك المسافة بين المثقف والسلطة ليتمكن من قراءة منطقية للأحداث ويمارس قدرته على إحداث التغيير.
Average Rating