في فيلم “Happily”.. معجزة أن تكون متزوجا وسعيدا

أصبح الزواج السعيد أقرب للمعجزة الاستثنائية فلا زواج بدون مشكلات وضغوط تتزايد وتتراجع بين حين وآخر. في الفيلم يتم تقديم زوجين يعيشان حياتهما كمراهقين لازالا يتعلقان ببعضهما بنفش شغف واندفاع بدايات التعرف على الحب وعلى الجنس والجسد.

يبدأ الفيلم بحفل يحضره أصدقاء ويحاول أحدهم دخول الحمام ليجد أن شخصين في الداخل ويبدو من أصواتهما أنهما يمارسان الجنس. الأغرب هو رد فعل باقي الأصدقاء من ضيوف الحفل, فهم يعرفون من بالداخل واعتادوا أن هذين الزوجين تحديدا دوما ما يفعلانها في حمام أي حفل يحضرانه. والأغرب أنهما ليسا حديثا التعرف على بعضهما البعض لكنهما متزوجان منذ أربعة عشر عاما.

تنتقل الكاميرا مع الزوجين العاشقين إلى بيتهما وبعد ليلة حب ساخنة تستيقظ الزوجة وتحاول الإسراع للحاق بعملها. وخلال اللحظات القليلة التي تنتقل خلالها بين الحمام والمطبخ لإعداد كوب من القهوة قبل الخروج, يلحظ المشاهد بعض ملامح المشكلات المعتادة التي يتسبب فيها الرجال, كبقعة من البول على أرضية الحمام لم يهتم الرجل بتنظيفها.. ثم وهو مستلق في كسل على الأريكة يطلب منها أن تجهز له بعض البيض للإفطار. ترتبك لوهلة وتفعل ما طلب منها ثم تذهب لعملها.

بعد توقعات من المشاهد باحتمالية أن تكون تلك السعادة غير المشوبة بالمشكلات ليست أكثر من كذبة, تعود الزوجة لتجد البيت نظيفا ومرتبا والعشاء تم إعداده وكبادرة اعتذار تم تجهيز غرفة النوم لجلسة تدليك يقدمها الزوج هدية اعتذرا لزوجته عن عدم مراعاته لتعجلها الذهاب إلى عملها صباحا وإثقالها بإعداد فطور له.

يتبخر احتمال الكذب, لكن تظهر نقطة أخرى وهي أهمية الاعتذار عن أي سلوك فيه عدم مراعاة وكيف يمكن أن ينتج ذلك في العلاقة الزوجية عن مزيد من التقارب والحب. فمجرد احتمالية أنه أثقل على زوجته جعلت الزوج يحاول التعويض بتنظيف كامل للبيت وتدليل الزوجة التي بالطبع لن تتذكر تفصيلة صغيرة كأنه طلب منها بعض البيض المقلي ولكنها ستظل تتذكر كيف أنه نظف البيت خلال انشغالها بعملها خارج المنزل.

إذن هما زوجان سعيدان يعشقان بعضهما البعض بجنون, بالتالي يثيران حنق الأصدقاء وحسدهم, فالأزواج والرفاق الذين يواجهون مشاكل في علاقاتهم لا يرغبون في رؤية نموذج يمكنه العيش بساعدة طوال تلك السنين.. النموذج يمثل مشكلة بالنسبة لهم. وكانه يدفعهم نحو مواجهة أنفسهم ويحتم مراجعة العلاقات الشخصية والأخطاء التي يرتكبونها ومواجهة أنفسهم بها. ذلك آخر ما يريده هؤلاء البشر, وبالتالي الاسهل هو توجيه مشاعرهم نحو كراهية الزوجين السعيدين والتعامل معهما باعتبارهما “كابوس” أو “من المريخ”.

يواجه اثنين من الأصدقاء الزوجين السعيدين بتلك المشاعر السلبية, ومن ناحيته يؤكد على أن مشكلات الأصدقاء في علاقاتهم ليست من شأنه وليست بسببه وبالتالي لن يعتذر عن كونه سعيدا ولا عن حبه لزوجته.

هما بالفعل نموذج غير معتاد, فلا يخفي أحدهما عن الآخر شيء ولا يعيدان تذكر المواقف السيئة وحين يتسامحان فإنهما يتسامحان بحق وليس كما يفعل الآخرون الذين يعملون على “تجاوز” الأمور شكليا بينما يبقى أثرا سلبيا في نفوسهم.

القصة تتعامل مع النموذج باعتباره “غير طبيعي” أو “فوق طبيعي” فيستحضر الكاتب شخصية من “ماوراء الطبيعة” لتلعب دورا في الفيلم. يطرق بابهم شخص يرتدي زيا رسميا كلاسيكيا… ويزعم أنه يعمل في الحي ويرغب في دقائق قليلة من وقتهما. حين يدخل المنزل يشرح لهما كيف أن هناك خطأ ما بشأنهما وأنهما لابد من الخضوع للحقن بمادة ما كي يصبحا طبيعيين كباقي الأزواج التعساء.

يقرر الزوجان الحفاظ على سعادتهما رغم تحذير الشخص الغريب من أنه فوق كل السلطات المتعارف عليها في العالم. يحاول حقن الزوجة فتضربه ويعتقدان أنه مات ثم يتشاركان في إخفاء الجثة ودفنها. لكنه لا يموت. يظهر مرة أخرى ليؤكد إصراره على إكمال مهمته.

تتصاعد الأحداث ويلتقي الزوجان بالأصدقاء –الكارهين لهما- مجددا بعدما اتصلت بهما واحدة منهم لتقول إنهما لم يقصدوا ما قالوه حرفيا وأنهم يرغبون في صحبة الزوجين خلال رحلة جماعية في عطلة نهاية الأسبوع.

تتلاحق التساؤلات في عقل الزوجين حول ما إذا كانا طبيعيين فعلا أم لا.. لكنهما يقرران التمسك بسعادتهما المشتركة سواء كان ذلك هو الطبيعي أم غيره. تبدأ الرحلة ويظل سلوك الأصدقاء فاترا وسخيفا حيالهما, وكأن الجميع يكره رؤية السعادة والحب . وتبدأ الصورة تضح في سر تلك الكراهية خلال العطلة المشتركة, فالجميع يخفون عن بعضهم البعض أسرارا ويكتمون خياناتهم ومشكلاتهم, وينكرون وجود الأخطاء مكتفين بدفعها تحت السجادة لتختفي عن أعينهم لكنها تظل موجودة تعكر صفو العلاقات.

يتضح أن الأصدقاء ليسو سوى مجموعة من البؤساء يحاولون نسيان أحزانهم بالشرب حتى الثمالة, تتكشف الخيانات والأكاذيب والعنف والحسد بين الأزواج المختلفين, ويدب خلاف بين الزوجين المتاحبين.. لينتهي الفيلم بانفصال البعض وقتل زوج يضرب زوجته بعنف شديد, واستمرار بعض العلاقات الأخرى بينها علاقة الزوجين المتحابين بعد المصارحة والمغفرة الحقيقية .. وكأن الرسالة هي الصراحة والمغفرة هي وقود الحب.. فاستمراره حقيقيا وقويا مرهون بالصدق وعدم الكذب والقدرة الحقيقية على التسامح ومغفرة الأخطاء مهما كان حجمها. والمؤكد أن ذلك يجب أن يكون متبادلا وليس من أحد الطرفين على حساب الآخر.

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *