أن تكون حقيقيا في عالم مزيف.. الخطأ طريق الإنسان إلى النعيم

 

في فيلم “Bliss” يلتقي البطل أوين ويلسون (جريج ويتل) مع البطلة سلمى حايك (إيزابيل كليمنس) فيتغير كل شيء, للمرة الأولى يبدأ في إدراك ما “الحقيقي” و”غير الحقيقي” ويكتشف أن الحقيقيين أقل مما كان يتصور وأن العالم الذي يعيش فيه أقرب لأكذوبة . هو آدم وهي حواء, وتلك الجنة المنضبطة التي كانا يعيشانها لم تكن أكثر من صورة خيالية, بينما النعيم الحقيقي هو الحياة بكل تقلباتها الحقيقية مهما كانت قاسية.

بعد التعارف يكتشف متعة كونه “حقيقي”  أو ذو قدرات خاصة, يشير بأصابعه فتحدث الأشياء هكذا بكل بساطة, يعيش متعة صافية وخالصة.. حين تذهب في سيارة “لتبيع المتعة” يقلب وجهه قليلا لكنه ينتظرها, تعود متجهمة فيأكلان سويا. تلك المتعة التي “رآها” لكن لم يجربها انتهت به إلى الشك في رفيقة دربه  وينتهي به الأمر لمصارحتها قائلا إنها تريه ما تريده أن يرى فقط ليظل معتمدا عليها وبالتالي لدى إدراكه لتكل الحقيقة أصبح غير مؤمن بها ولا بقدراتها.

تأخذه إلى العالم الآخر الذي تقول إنه حقيقي, لكن يتضح لاحقا أنه النموذج المنشود للنعيم الذي لا يمكن الوصول إليه.. ولدى الوصول إلى العالم “الحقيقي”, يتم فصل الأجهزة ويتضح أنهما عالمان تمكنا من المساهمة في إنقاذ العالم من الفناء باستخدام التكنولوجيا والعلم, لتدور المناقشة حول ماهية الجنة والجحيم, وهل الجنة هي العلم والتكنولوجيا الذان يحققان كل شيء الأمان والرخاء والسعادة , أم أن ذلك هو الجحيم بعينه حيث يمكن أن تنقلب تلك السعادة إلى كابوس في غمضة عين؟

فالجنة أو النعيم هي حالة ذهنية يمكن الوصول إليها فقط بإدراك الحالة العكسية (الجحيم). وفي النهاية يكتتشف المشاهد أن الحالتين حقيقيتين وأن الجحيم موجود ويمكننا التأثير فيه ومواجهته, وأن النعيم موجود ويمكننا أيضا السيطرة عليه  والتحكم فيه وأن البشر يتنقلون باستمرار بين حالتين حقيقيتين هما السعادة والألم وأن كل منهما حقيقية تماما بنفس درجة الأخرى, ولا يمكن العيش في حالة واحدة بانتظام

حتى نظرية “إيزابيل كليمنس” التي حاولت إثباتها, اتضح أنها خاطئة. إيزابيل حاولت إثبات أن النعيم يمكنه الاستمرار فقط بدفع الإنسان لمحاكاة الجحيم, لكنها فشلت, فلكي يستمر النعيم, يجب أن يتم إزالة كل ذكرى لها علاقة بأي شخص قد يسبب التوتر أو القلق أو الألم, وبالتالي حاولت إزالة ذكريات ويتل عن ابنه وابنته, وفي الحقيقة لم يتمكن هو من ذلك, وظلت تلك الذكريات مشوشة حتى أدرك أن الابنة حقيقية وأنها كانت في عقله خلال محاولة المحاكاة في الحياة المزيفة وأيضا عادت معه إلى العالم الحقيقي. أو كانت حقيقية في العالم الواقعي بينما لم تتمكن إيزابيل من محوها لتأخذه معها إلى الحياة المثالية “المزيفة”.. هنا تسقط الفواصل بين العالمين ويكون كل منهما حقيقيا ومزيفا بنفس الدرجة. فالحياة العادية والنعيم كلهما حقيقي ومزيف في الوقت نفسه.

في النهاية يكتشف أن العالم الخيالي/الحقيقي الذي خلقته إيزابيل (حواء) أفضل من العالم المنشود. وهنا يقرر الاختيار الحر, ويدرك أنه ينتمي إلى العالم الفوضوي وغير المتوقع والذي يفضله رغم كل المشكلات التي قد تحدث فيه لأنه مثير للمشاعر البشرية المختلفة وبالتالي لا يريد ترك هذا العالم حتى وإن لم يكن حقيقيا. وكأنه آدم الذي اختار الأرض بكل مشكلاتها ومعاناتها ولحظات السعادة والحب فيها وفضلها على الجنة التي يدور فيها كل شيء بحساب دقيق وتمر الأيام فيها بسلاسة دون حزن أو فرح.. فقط أيام متتالية محسوبة بحساب دقيق مثير للملل. ويتل اختار ابنته , الأسرة والمسئولية والقلق والسعادة وضحى بإيزابيل, العشيقة التي تسعى للكمال.. فالنعيم أو الجنة لا يمكن الوصول إليها بالكمال لأنه معاكس لطبيعة البشر, فقط بالنقص والخطأ والتجربة يكمن النعيم وتتحقق الجنة.

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *